أëàâيàے رëَ÷àéيàے ًٌٍàيèِà


دîëهçيîه:

تàê ٌنهëàٍü ًàçمîâîً ïîëهçيûى è ïًèےٍيûى تàê ٌنهëàٍü îلْهىيَ‏ çâهçنَ ٌâîèىè ًَêàىè تàê ٌنهëàٍü ٍî, ÷ٍî نهëàٍü يه ُî÷هٌٍے? تàê ٌنهëàٍü ïîمًهىَّêَ تàê ٌنهëàٍü ٍàê ÷ٍîلû وهيùèيû ٌàىè çيàêîىèëèٌü ٌ âàىè تàê ٌنهëàٍü èنه‏ êîىىهً÷هٌêîé تàê ٌنهëàٍü ُîًîَّ‏ ًàٌٍےوêَ يîم? تàê ٌنهëàٍü يàّ ًàçَى çنîًîâûى? تàê ٌنهëàٍü, ÷ٍîلû ë‏نè îلىàيûâàëè ىهيüّه آîïًîٌ 4. تàê ٌنهëàٍü ٍàê, ÷ٍîلû âàٌ َâàوàëè è ِهيèëè? تàê ٌنهëàٍü ëَ÷ّه ٌهله è نًَمèى ë‏نےى تàê ٌنهëàٍü ٌâèنàيèه èيٍهًهٌيûى?


تàٍهمîًèè:

ہًُèٍهêًٍَàہًٌٍîيîىèےءèîëîمèےأهîمًàôèےأهîëîمèےبيôîًىàٍèêàبٌêٌٌٍَâîبٌٍîًèےتَëèيàًèےتَëüًٍَàجàًêهٍèيمجàٍهىàٍèêàجهنèِèيàجهيهنوىهيٍخًُàيà ًٍَنàدًàâîدًîèçâîنٌٍâîدٌèُîëîمèےذهëèمèےرîِèîëîمèےرïîًٍزهُيèêàشèçèêàشèëîٌîôèےصèىèےفêîëîمèےفêîيîىèêàفëهêًٍîيèêà






فأركانُ الإسلامِ خمسةٌ: شهادةُ أنْ لا إله إلاّ اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاةِ، وصومُ رمضانَ، وحجُّ بيتِ اللهِ الحرامِ





فدليلُ الشّهادةِ قولُهُ تعالى ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[آل عمرا:18]، ومعناها لا معبودَ بحقٍّ إلا اللهُ وحده؛ (لا إله) نافيًا جميعَ مَا يُعْبدُ مِنْ دونِ اللهِ (إلا الله) مُثْبِتًا العبادةَ للهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ في عبادتِهِ، كما أنَّه ليس له شريك في مُلْكِهِ، وتفسيرُها الذي يوضِّحُها قولُه تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ( 26 )إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ( 27 )وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[الزخرف:26-28]، وقولُه تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران:26].

ئدليلُ شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ قولهُ تعالى ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:128]، ومعنى شهادةِ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ: طاعتُهُ فيما أَمَرَ، وتصديقُهُ فيما أَخْبَرَ، واجتنابُ ما عنْهُ نهى وزَجَرَ، وأنْ لا يعبدَ اللهَ إلاَّ بما شَرَعَ.

ودليلُ الصلاةِ، والزكاةِ، وتفسيرُ التَّوحيدِ قولُه تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾[البينة:5].

ودليلُ الصيامِ قولُه تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾[البقرة:183].

ودليلُ الحجِّ قولُه تعالى﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ﴾[آل عمران:97].

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فهذه الرسالة تسمى ثلاثة الأصول وأدلتها، وقد ذكر -رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة- الأصل الأول، فيما مرّ معنا وهو معرفة العبد ربه، ومعرفة العبد ربه، يعني به معرفة العبد معبوده؛ لأن الرب هنا بمعنى المعبود، والربوبية بهذا الموقع بمعنى العبادة، لأن الابتلاء وقع فيها، هذا أصل من الأصول، والمقبور أو الميِّت يُسأل أول سؤال عن ربه، يعني عن معبوده الذي كان يعبده، من هو؟ فإن كان يعبد الله وحده لا شريك له، أجاب بأن معبودي ربي الله يعني وحده لا شريك له، وإن كان يعبد مع الله آلهة أخرى والعياذ بالله، قال: ربي الله، وربي فلان، وربي فلان، وربي فلان. من المعبودات المختلفة، يعني معبودي فلان، ومعبودي فلان، ومعبودي فلان، مع الله جل وعلا فيسأله منكر ونكير عن دينه: ما دينك؟ فلهذا كان لزاما أن يتعلم العبد دينه بأدلة ذلك، حتى يخرج عن التقليد، ويكون اعتقاده بهذا عن علم ومعرفة وبصيرة، لا على وجه المتابعة للناس، ولهذا جاء في بعض طرق السؤال وأما المنافق أو قال الفاجر فيقول ها، ها، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. وهذا يدل على أنه يرى معهم، على التقليد، وأن التقليد لا يسوغ في أصول الدين، هذه الأصول الثلاثة، التقليد في دين الإسلام، التقليد في العبادة، التقليد في الشهادة بأن محمد رسول الله، لا يكفي؛ فإذا قال قائل: أنا مسلم بحكم أني في بلد إسلام. وهو لم يعتقد هذه الأمور اعتقادا عن علم، ولو لمرة في حياته، ولو كانت قبل البلوغ فإنه لا يخلص من التبعة، فلا بد أن يعتقد ما يجب اعتقاده عن معرفة، وهي هذه الأصول الثلاثة، وعن معرفة وعلم ودليل، ولهذا الشيخ رحمه الله كما ترى توسّع في الأدلة، كل مسألة يذكرها يذكر دليلا عليها، لأن المتعلم لهذا يخرج به عن رِقَّة التقليد لمن علّمه، فيكون اعتقاده كان عن دليل، ولهذا ينبغي تعليم الصغار المميزين هذه الرسالة أو الكبار، يُعلَّمونها بأدلتها لا على وجه التفصيل كما نذكر في هذا الشرح، لكن نتعلم أن العبادة معناها كذا ودليلها كذا، فيعتقدها بدليلها، يعلم أن الله جل وعلا هو الذي فرض هذا الشيء، وهذا دليل المسألة، فيخرج عن رِبقَة التقليد بهذه المسائل العظام.

قال هنا رحمه الله تعالى (الأصل الثاني: معرفة دين الاسلام بالأدلة) ما هو الإسلام؟ قال (وهو الاستسلامُ للهِ بالتوحيدِ، والانقيادِ له بالطاعةِ، والخُلوص من الشرك) وهذه العبارة، وهي الأخيرة (والخلوص من الشرك) الصواب أنها (والبراءة من الشرك وأهله) هذا هو الموجود في النسخ المعتمدة، أما (والخلوص من الشرك) فهذه ليست في النسخ المعتمدة، وهي في هذه الطبعة التي بين يدي، والصحيح في النسخ المعتمدة أن (الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله) ومن المعلوم أن (البراءة من الشرك وأهله) أدل على المراد من لفظ (الخلوص من الشرك)، لأن الخلوص من الشرك إنما هو خروج عن الشرك، وليس فيه معنى البراءة من الشرك وأهله، ولهذا كان الأصح أن يُجعل بدل (الخلوص من الشرك) في هذه النسخة، ما هو في النسخ المعتمدة الأخرى وهي أن (الإسلام الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله) وهذا هو الذي يناسب الاستدلال الذي استدل به الشيخ وهو قوله تعالى في سورة الزخرف (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ( 26 )إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) فذكر البراءة وهو الذي يناسب هذا التعريف.

والإسلام يُراد به تارة الإسلام العام، ويراد به تارة الإسلام الخاص؛ يأتي هذا في القرآن وهذا.

فالإسلام العام: يراد به الإسلام الذي خوطب به جميع الناس من لدن آدم عليه السلام إلى أن يرث الله جل وعلا الأرض ومن عليها، بل خوطب به جميع المخلوقات كما قال جل وعلا ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾[آل عمران:98] أسلم له كل شيء كما قال ورقة بن نفيل في ما أحسب قال:

وأسلمتُ وجهي لمن أسلمني له المزن تحملُ عذبًا زلالاً

فالإسلام هذا العام، (الاستسلام لله) استسلام لله عن طواعية واختيار، هذا الإسلام العام الذي خوطب به جميع الخلق، حصل التكليف على آدم وبنيه قال جل وعلا ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾[الأحزاب:72]، يعني حمل الإنسان الأمانة، وهي أمانة التكليف بالإسلام، قال جل وعلا ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾[آل عمران:19]، وهذا هو الإسلام العام الذي دعا إليه كل رسول وكل نبي من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، الجميع يدعو إلى الإسلام، وهذا الإسلام يسميه العلماء الإسلام العام؛ الذي يشترك فيه جميع الرسل.

أما الإسلام الخاص: فهو القسم الثاني، وهو المراد ها هنا، فمعرفة دين الإسلام لا يريد دين الإسلام العام، وإنما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صار المقصود بالإسلام الذي طُلب من الناس أن يدينوا به، وأن يعتقدوه، هو الإسلام الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وهو دين الإسلام الخاص، حتى صار الإطلاق؛ إذا أطلق الإسلام لا يراد به إلا دين الإسلام الذي بعث به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ الذي يشمل عقيدة الإسلام وشريعة الإسلام.

ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أكبّه الله في النار»، (لا يسمع بي) يعني ببعثتي برسالتي، وبما أرسلت به، ثم لا يؤمن بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني، وفي الرواية الأخرى «أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني»، المراد أمة الدعوة، «ثم لا يؤمن بي إلا أكبه الله في النار»، فمن كان على دين الإسلام العام، وقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل منه، لا يقبل بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أحد إلا أن يتبع دين الإسلام الخاص، يعني الذي بُعث به النبي عليه الصلاة والسلام، وهو المراد ها هنا، وهو الذي يحصل به الابتلاء في القبر والفتنة في القبر، يحصل الابتلاء والفتنة بدين الإسلام الذي بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم.

قال(هو الاستسلام لله بالتوحيد) الاستسلام أن يكون فاعله؛ فاعل الاستسلام كهيئة المستسلم، والمستسلم لغيره تابع له لا يفعل إلا ما يريد، خلُص قلبه إلا من رغبة من استسلم له، ولو قال وهو الإسلام لله بالتوحيد لصح تعريفه، فالاستسلام هنا بمعنى الإسلام، وله أسلم، ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾[الزمر:54]، كلها بمعنى الاستسلام والإسلام؛ الإسلام لله والاستسلام لله بمعنى واحد قيَّدَها في هذا الموضع بقوله (بالتوحيد) والتوحيد يشمل توحيد الله جل وعلا في ربوبيته وفي ألوهيته وفي أسمائه وصفاته، والمقصود الأخص من هذه الثلاثة توحيد العبادة لأن الخصومة وقعت فيه، ومعلوم أن توحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية ولتوحيد الأسماء والصفات.

ثم قال (والانقياد له بالطاعة) الانقياد لله جل وعلا بالطاعة، يعني أن يكون منقادا غير ممانع ولا متولٍّ عن طاعة الله جل وعلا، إنما ينقاد ويذعن، كما قال جل وعلا ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ ﴾[النور:54]، أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، يعني الانقياد لله وللرسول،فيما أمر الله جل وعلا به وفيما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، قال فإن تولوا وأعرضوا ولم يذعنوا ولم ينقادوا (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ) يعني على الرسول (مَا حُمِّلَ) ما حمل إياه وهو الرسالة، (وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) وهو الاستجابة لله وللرسول، فإذن هنا الانقياد له، بالطاعة لله جل وعلا، بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بعث بهذا الإسلام الأخير.

قال (والبراءة من الشرك وأهله)، فُسّرت البراءة بعدة تفسيرات أصلٌ وفروعه؛ أصل البراءة البُغض في القلب، يعني بغض الشرك وأهله، ويتبع ذلك؛ يتبع بُغضَهم معاداتُهم وتكفير من كفره الله جل وعلا ورسوله؛ تكفير المشركين ومقاتلتهم عند مشروعية ذلك، وهذا هو معنى الكفر بالطاغوت أيضا، فإن الكفر بالطاغوت هو بُغضه ومعاداة أهله، وتكفير أهل الطاغوت؛ وهم أهل عبادة غير الله جل وعلا، وقتالهم عند مشروعية ذلك، البراءة من الشرك أصلها البغض، يتبع البغض أشياء، أولا المعاداة، ثانيا التكفير ومعلوم أن التكفير تَبَعٌ للعلم، ثم قتالهم عند مشروعية ذلك وذلك أيضا مستلزم للعلم، فتلخص أن على العامة وهم من ليسوا علماء عليهم من البراءة، أصلها وهو البُغض، وأما فروعها فإنما هي بحسب درجات العلم، البغض لا بد أن يُبْغِض فإن لم يبغض الشرك فإنه ليس بمسلم، إذا كان يحب الإسلام وأهله، ويحب التوحيد وأهله، ولكن لا يبغض الشرك وأهله فإنه ليس بمسلم. لكن قد يبغض الشرك وأهل الشرك باعتبار الأصل، لكنه يحب بعض المشركين لغرض من أغراض الدنيا، فهذا ليس بمشرك، وإنما ناقص إسلامه، كما أوضحت لكم فيما سبق في تقسيم الموالاة إلى موالاة وتولي، المقصود من هذا أن مسألة البراءة هذه؛ من الشرك وأهله، أصل البراءة البغض يتبعها أشياء المعاداة التكفير المقاتلة وكلها تبع للعلم، ويتنوع ذلك بحسب الناس، وأسهل ما يكون في الموحدين، عند الموحدين، عند عامتهم، معاداة المشركين، ولو لم يكن عندهم من الحجة أو من بيان تكفيرهم، ومن إقامة الدلائل على مشروعية مقاتلة أهل الشرك، فإنه قائم في قلبه بغضهم ومعاداتهم، وهذا به يحصل الإسلام.

إذن تعريف الإسلام شمل ثلاثة أشياء:

أولا: الاستسلام لله بالتوحيد.

ثانيا: الانقياد لله بالطاعة.

الثالث: البراءة من الشرك وأهله.

نلاحظ أنه بهذا شمل هذا التعريف معنى الشهادتين كما سيأتي.

هذا الدين؛ دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتب، قال الشيخ رحمه الله (وهو ثلاث مراتب الإسلام) هذه مرتبة في دين الإسلام نتيجة هذه المرتبة أن يحكم لأهلها بأنهم مسلمون، (والإيمان)، ونتيجة هذه المرتبة أن يحكم لأهلها بأنهم مؤمنون، (والإحسان)، ونتيجتها أن يحكم لأهلها أنهم محسنون، فالمحسن والمؤمن والمسلم، الجميع من أهل دين الإسلام، لكن لكل مرتبتُه الخاصة به، هم درجات عند الله.

فالإسلام: هو إقامة الأعمال الظاهرة؛ الشهادتين مع الأركان الأربعة المعروفة؛ إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، مع بعض الإيمان الذي يُصحح هذا الإيمان الظاهر.

والإيمان: الإيمان بأركانه الستة؛ لله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره مع بعض الإسلام الظاهر مع بعض العمل الظاهر الذي معه يصح هذا الإيمان الباطن.

والإحسان: هو مقام المراقبة لله جل وعلا.

قال(وكل مرتبة لها أركان فأركان الإسلام خمسة) ذكرها ثم ذكر الأدلة على ذلك فقال (فدليل الشهادة قوله تعالى ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[آل عمرا:18]) وجه الاستدلال: أن الله جل وعلا شهد بذلك لنفسه، وشهد له بذلك الملائكة، وهم عُمَّار السماء، وشهد له بذلك أيضا أولوا العلم من الثقلين، قال جل وعلا (قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فبعد أن شهد بذلك لنفسه، وأخبر بشهادة ملائكته له بذلك، بشهادة أولي العلم له بذلك، أخبر مرة أخرى بمضمون ذلك فقال (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) واضح ظاهر وجه الاستدلال من هذه الآية.

ما معنى لا إله إلا الله؟ قال (معناها لا معبود بحق إلا الله وحدهلا إله إلا الله، أربع كلمات: (لا) ثم (إله) ثم (إلا) ثم (الله)، معنى (لا) هذه حرف لنفي الجنس، وهي من أخوات إنَّ، أو تعمل عمل إنَّ كما قال ابن مالك

عَمَلَ إنَّ اجْعَلْ لِلا فِي نَكِـرَة

ويكون اسمها نكرة، كما قال هنا لا إله، إله؛ الإله فعال بمعنى مفعول يعني معبود، إله بمعنى مألوه يعني معبود؛ لأن الإلهة بمعنى العبادة، والألوهة بمعنى العبودية، وأصلها من أَلَهَ يَأْلَهُ، إِلَهَةً، وألوهة؛ إذا عبد مع الحب والخوف والرجاء؛ إذا عبد عابد ما يعبده خائفا راجيا محبا فإنه يكون قد ألهه، قال الراجز برجزه المشهور:

لله درّ الغانيات المـُــدّهِ سبّحن واسترجعن من تألهي

يعني من عبادتي التأله هو العبادة يعني (لا إله) كما قال هنا، معناها لا معبود، فسر الإله بمعنى المعبود، لأن ذلك الذي يقتضيه لسان العرب، وكذلك هو الذي جاء في القرآن، قال جل وعلا ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ( 1 )أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾[هود:1-2]، والذي جاء من عند الله جل وعلا هو لا إله إلا الله قال هنا (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ) فتفسير الإله بالمعبود، هذا موافق للقرآن وموافق للغة العرب، وبه تعلم أن من فسر الإله بالرب يعني بأنه القادر على الاختراع، كما هو تفسير أهل الكلام المذموم والأشاعرة والماترودية ونحوهم، فإن هذا من أبطل ما يكون؛ لأنه مناقض للغة العرب وتردُّه لغة العرب، ومناقض للقرآن ويردُّه القرآن والسنة، فإن مادة الإله غير مادة الرب، والإله هو المعبود كما أوضحت لكم في الاشتقاق، يقولون معنى (لا إله) أي لا قادر على الاختراع إلا الله، ولهذا لا يكفرون من أشرك مع الله جل وعلا إله آخر في العبادة، يقولون ما دام أنه مقر بتوحيد الربوبية، وبأن الله جل وعلا هو المتوحّد في أفعاله؛ برَزقه وإحيائه وإماتته، وفي تدبيره الأمر، وفي ملكه، وفيما يفعل، فإن هذا مؤمن. وهذا باطل، وبعضهم يفسر الإله بتفسير آخر يرجع إلى معنى الربوبية، يقول أحد كبار وأئمة الأشاعرة، وهو السَّنوسي في كتابه المعروف بأم البراهين في العقائد الأشعرية يقول: فالإله هو المستغني عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه. يقول فمعنى لا إله إلا الله لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرا إليه كلّ ما عداه إلا الله. فصار معنى كلمة التوحيد عندهم؛ توحيد الله جل وعلا، توحيد الله جل وعلا في ربوبيته. وهذا من أبطل الباطل؛ لأن المشركين قد أخبر الله جل وعلا في كتابه بأنهم مقرون بهذا الذي جعله معنى كلمة التوحيد، يقول معنى لا إله إلا الله لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله. أرأيتم أبا جهل وصحبه ألم يكونوا موقنين بأنه لا مستغنيا عما سواه ولا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله؟ هم يؤمنون بذلك كما بينه الله جل وعلا في القرآن في آيات كثيرة جدا كقوله ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾[العنكبوت:61]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾[الزخرف:87]، ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ﴾إلى آخر الآية قال ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾[يونس:31]، ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾[المؤمنون:86]، ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ( 88 )سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾[المؤمنون:88-89] إلى آخر ما جاء في هذه الآيات.

إذن فتفسير لا إله إلا الله بأنها لا معبود إلا الله هذا التفسير ليس تفسيرا اجتهاديا، وإنما هو تفسير قرآني لهذه الكلمة قال جل وعلا ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ( 1 )أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾[هود:1-2]، فمن زعم أن هذا التفسير من اجتهادات إمام هذه الدعوة، فهذا مناقض أو راد أو جاهل بالقرآن العظيم، فإن الذي فسر الإلهية بهذا المعنى هو الله جل وعلا في كتابه في غير ما آية، قال جل وعلا ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾[المؤمنون:23] وهذا واضح (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) أتى بعد أمرهم بعبادة الله جل وعلا وحده دون ما سواه، وهذا مبين كثير في الكتاب والسنة والنبي صلى الله عليه وسلم قال لحصين بن عبد الرحمن: «كم إله تعبد؟» قال: أعبد سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء. قال: «فمن ذا الذي تعد لرغبك ولرهبك؟» قال: الذي في السماء. فهذا معنى الإله، وهذا معنى لا إله، أي لا معبود، فهذا التفسير تفسير من القرآن، تفسير جاء من الله جل وعلا ومن نبيه صلى الله عليه وسلم، ليس تفسيرا اجتهاديا من أئمة هذه الدعوة كما زعمه الخرافيون وأعداء التوحيد.

إذن هنا قال (معناها لا معبود بحق إلا الله) الكلمة الثانية (إله) الكلمة الثالثة (إلا) و(إلا) هذه عند بعض العلماء أداة استثناء، وعند بعضهم أداة حصر، فصار معنى (لا إله إلا الله) لا معبود إلا الله، خبر (لا) أين هو؟ لا معبود إلا الله، يعني لا معبود موجود إلا الله؟ لا معبود بحق إلا الله؟ لا معبود يُعبد إلا الله؟ خبر (لا) أين هو؟ قال العلماء: خبر لا محذوف، ذلك لأن العرب ترى في لغتها أن لا النافية للجنس يحذف خبرها إذا كان واضحا. ومن الواضح أن المشركين لم ينازعوا في وجود آلهة أخرى يعلمون أن هناك آلهة كثيرة موجودة، لهذا لا يصح أن يقال: أن خبر (لا إله) موجود ؛ لأنهم قالوا ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾[ص:5] لو كان خبر (لا إله) موجود ، قالوا له هذه الآلهة موجودة، فكلمتك هذه ليست بصحيحة، لكن الخبر معلوم لأنه زبدة الرسالة، وهو ما قدره الشيخ هنا (بحق) أو يقدر (حق) بدون الباء، وذلك لأن خبر (لا) إذا حذف قُدر بالمناسب الذي يعلم، وإذا حذف الخبر كان لأجل العلم به ولوضوحه، كما قال ابن مالك في الألفية في آخر باب لا النافية للجنس يقول: وَشَاعَ فِي ذَا الْبَابِ يعني باب لا النافية للجنس؛

وَشَاعَ فِي ذَا الْبَابِ إِسْقَاطُ الخَبَر إِذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَــر

إذا ظهر المراد مع الحذف فإنه يُحذف، ولهذا لا يحذف خبر لا النافية للجنس إلا إذا كان واضحا، إذا كان الخبر واضحا، وهنا الخبر واضح لأنه هو زبدة الرسالة؛ زبدة ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو عين ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، أن يكون تقدير الكلام: لا معبود حق إلا الله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بُعث لتوحيد الله جل وعلا بالعبادة ولإبطال عبادة غيره، وأنه لا معبود حق إلا الله وأن كل معبود سوى الله جل وعلا فعبادته بالباطل والظلم والطغيان والتعدي من الخلق. إذن هنا حُذِف لأنه معلوم، فصار تقديره لا إله حق -أو لا إله بحق- إلا الله، وذلك لأن الله جل وعلا قال ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾[لقمان:30]، وفي الآية الأخرى ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾[الحج:92] قال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)، فلما كانت هذه الآية وقد جاءت في القرآن في سورتين مشتملة على أن عبادة الله حق، وأن عبادة غيره باطلة، ناسب أن يكون المحذوف هنا كلمة (حق) أو كلمة (بحق)؛ لا إله بحق أو لا إله حق، لأنها هي التي دلت عليها الآيات.

إذن فصار معنى لا إله إلا الله لا أحد يستحق العبادة إلا الله جل وعلا، لا معبود بحق إلا الله، هناك معبودات غير الله عز وجل، ولكنها معبودات بحق أو بالباطل؟ معبودات بالباطل، وصار التقدير هذا من أنسب ما يكون.

قال (معناها لا معبود بحق إلا الله وحده) فسر ذلك بقوله (لا إله نافيا جميع ما يعبد من دون الله) يعني الذي يقول لا إله إلا الله، ماذا يقول حين يقول لا إله؟ يقول أنفي جميع ما يعبد من دون الله، إلا الله تقول وأُثبت العبادة لله وحده، لأن لا إله إلا الله نفي وإثبات؛ نفي لاستحقاق العبادة عما سوى الله وإثبات للعبادة المستحقة لله جل وعلا.

قال رحمه الله هنا (لا شريك له في عبادته كما أنه ليس له شريك في ملكه) عدم الشَّرِكَة في الملك تتنوع أحيانا؛ تكون -الشركة في الملك يعني مطلقا دون إضافتها إلى الله طبعا- الشركة في الملك تكون:

ï بأن يكون لكل شريك قسم خاص ليس مشاعا، له قسم خاص مما اشتركا فيه؛ اشتركت أنا وأنت في ملك إبل مثلا لك خمسون و لي خمسون معروفة، هذه خمسيني معروفة بأعيانها، وهذه خمسون لك معروفة بأعيانها، أو اشتركت أنا وأنت في كتب معروفة، هذه الكتب لك وهذه الكتب لي، هذه شركة، كل من الشريكين له قسمه استقلالا.

ï الثاني أن تكون شركة مشاعة؛ للشريكان شركة مشاعة، هذا وهذا مشتركان في ملك لا يتميز منه أحدهما عن الآخر، بل هو لهما جميعا.

الله جل وعلا بَيَّن في القرآن أنه لو كان له شريك في الملك -في ملكه- لابتغى إليه سبيلا، قال جل وعلا ﴿لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾[الإسراء:52]، ولو كان معه آلهة؛ معبودات تستحق العبادة فعلا، ما الذي يلزم من ذلك؟ يلزم أنه لهم نصيبا في ملك الله، بأنه لا يستحق العبادة إلا من يملك النفع والضر (لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا)، قال ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾[الإسراء:43]، ليس مع الله أحد في ملكه، بل هو المتوحد في ملكه، ينتج من ذلك ويلزم أنه هو المستحق للعبادة وحده، لهذا قال له هنا (لا شريك له في عبادته كما أنه ليس له شريك في ملكه)، لهذا يقول العلماء: إن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية، الإقرار أن الله عز وجل ليس له شريك في ملكه لا على وجه الاستقلال ولا على وجه الإشاعة؛ شيوع، هذا يلزم منه لزوما أكيدا أن الله جل وعلا وهو واحد في استحقاقه العبادة، لا يستحق العبادة إلا هو، هو وحده المستحق للعبادة لا شريك له، كما أنه هو وحده له الملك لا شريك له، كما جاء في آية الأنعام ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( 162 )لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾[الأنعام:162-163] قد بينت لكم معناها، وأن معناها (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي)لله استحقاقا (وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ) ملكا (لَا شَرِيكَ لَهُ) في عبادته و(لَا شَرِيكَ لَهُ) في ملكه (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) هذا معنى الآية، وهذا التفسير للشيخ لكلمة التوحيد تفسير ضابط ظاهر.

أيضا قال (وتفسيرُها الذي يُوضِّحُها قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ( 26 )إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ( 27 )وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾[الزخرف:26-28])، قال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) ماذا قال إبراهيم؟ المقول سيأتي، قال (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ( 26 )إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) اشتملت كلمته هذه على نفي وإثبات؛ على بُغض ومحبة، فشقها الأول؛ جزؤها الأول نفي وبغض قال(إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) هذا فيه نفي ما دام أنه تبرأ منها في نفي لاستحقاقها العبادة، ومن معنى البراءة البغض، أو معنى البراءة البغض، فاشتمل قوله (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) على النفي والبغض، ثم أتى بالإثبات والمحبة فقال (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)؛ أُثبت له العبادة، ثم أتى بما يدل على المحبة فقال (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) ، محبة فيها الرجاء. هذه كلمة وهي معنى لا إله إلا الله لأنه اشتملت على براءة وعلى ولاء، اشتملت على بغض و على محبة، اشتملت على نفي وعلى إثبات. قال (وَجَعَلَهَا) يعني تلك الكلمة (كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) يعني في ولد إبراهيم، ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، والأنبياء من بعده جاؤوا لتقرير هذه الكلمة، قال (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يرجو أن يرجع إليها عقبه من بعده، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني إليها، أيضا يفسرها قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾[آل عمران:64]، قل -يا محمد- يا أهل الكتاب؛ يا أهل التوراة ويا أهل الإنجيل ويا أهل الزبور، (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) إلى كلمة وسط، كلمة عدل بيننا وبينكم، نعلم أنه قد جاء بها رسولكم، وقد جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، ما هذه الكلمة؟ ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾[آل عمران:64]، وجه الاستدلال: أن هذه الكلمة بيننا وبينهم وهي كلمة التوحيد، تفسيرها أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، هذا واضح؛ التفسير لكلمة التوحيد، قال مؤكدا معناها ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾[آل عمران:64]، يعني آلهة من دون الله، لأنهم ما ادعوا في الخلق أنه رب، بمعنى أنه يخلق استقلالا، ويرزق استقلالا، ويحيي ويميت استقلالا، هذا ما اُدعي، وكان تفسير الربوبية هنا بالإلهية، قال ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران:64]، آخر الآية يبين أن من ترك ما دل عليه أولها فإنه ليس بمسلم، لأنه قال (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)إذْ خالفناكم، وإذْ لم تذعنوا لهذه الكلمة سواء التي بيننا وبينكم (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا)، فأنتم لستم من أهل الإسلام.

قال بعد ذلك (ودليل شهادة أن محمدا رسول الله قوله تعالى ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾[التوبة:128])، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ) هذا قسم، اللام هذه هي التي تسمى الموطئة للقسم، دائما تصحب قد؛ (لَقَدْ)، نعلم أن ثم قسما محذوفا: والله لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ، هنا المقسِم هو الله جل وعلا، أقسم بأنه قد جاءكم رسول، وهذا لتأكيد الكلام وتعظيمه بأنفس السامع؛ لأنه أُكد بالقسم، والمقسِم هو الله، والمقسَم به هو الله جل وعلا، على مجيء الرسول لنا من أنفسنا، (مِنْ أَنفُسِكُمْ) يعني من جنسكم، من بني جلدتكم، يتكلم بلسانكم وتعقلون عنه، هذا واضح الدلالة على الشهادة بأن محمدا رسول الله، لأن معنى شهادة أن محمدا رسول الله أن تعتقد أن محمدا أرسله الله جل وعلا بدين الإسلام، تعتقد ذلك اعتقادا يصحبه قول وإخبار عنه، وهذه الآية واضحة الدلالة على المراد.

بيّن معنى شهادة أن محمدا رسول الله، قال (ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله طاعته فيما أمر) هذا التفكير والمعنى بالمقتضى، يعني معناها التي تقتضيه؛ تقتضي طاعته فيما أمر، إذن فمعنى شهادة أن محمدا رسول الله طاعته فيما الأمر، كونك شهدتَّ أنه مرسل من عند الله، معنى ذلك أنه إذا أمرك فإن الآمر هو الله جل وعلا، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود وغيره، الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام «ألا إن ما حرّم رسول الله مثل ما حرّم الله» إذا اعتقدت أن هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لم يأتِ به من عنده وإنما هو رسول، فمعنى ذلك أن تطيعه فيما أمر، هذا مقتضى لكونك شهدت بأنه رسول الله، فإن لم تطعه فيما أمر اعتقادا أنه لا يطاع، كان ذلك تكذيبا لشهادته، فمن قال أشهد أن محمدا رسول الله، وهو يعتقد أنه لا تلزمه طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فحاله حال المنافقين؛ شهادته مردودة، كاذب في شهادته، وأما إذا اعتقد أنه تجب عليه طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر وخالف لغلبة هوى، فهذا يكون عاصيا قد نقص من تحقيقه لشهادة أن محمد رسول الله بقدر مخالفته.

قال (وتصديقه فيما أخبر) ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الغيب وحي من عند الله، ولا يتخرّف عليه الصلاة والسلام، لهذا ما أتى من أخبار الغيبيات، يعني الكلام على الله جل وعلا، أسمائه وصفاته وأفعاله، عن الجنة والنار، عن أخبار الغيب، عن قصص الماضين، هو كله بوحي من الله جل وعلا، فمقتضى أنك شهدت أنه رسول الله أن تصدقه فيما أخبر، وألا يكون في قلبك شك، في أن ما أخبر به حق، وأن كل خبر أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم نقول: عليه الصلاة والسلام فيه صادق. ولو كنا لا نرى ذلك الشيء، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه قال: حدثني الصادق الصدوق. يعني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن يصدق رسول الله بما أخبر به، سواء عقل ذلك أو لم يعقله، وسواء أدرك ذلك بنظره أو لم يدركه، فقد كان الصحابة يتناقلون فيما بينهم الأخبار الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن عيسى بن مريم عليه السلام سينزل، وكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول لأصحابه، ولمن ينقل عنه الحديث من تلامذته، يقول: فإذا لقيه أحدكم فليقرئه مني السلام. تصديق لا يصاحبه شك، إذا كان المؤمن يعتقد أنه رسول الله، فمعنى ذلك أن كل خبر أخبر به فهو حق، بلا شك وبلا ريب عليه الصلاة والسلام.

قال (ومن معناها اجتناب ما عنه نهى وزجر) والأصل في النهي والزجر التحريم؛ لأنها نهي زاجر كما هو مقرر في الأصول، فما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو زجر عنه أو حرمه فإنه يجب اجتنابه طاعة له عليه الصلاة والسلام، كما قال جل وعلا ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾[الحشر:7]، وما أتاكم الرسول من الأوامر أو من الأخبار فخذوه امتثالا للأمر وتصديقا بالخبر، وما نهاكم عنه فانتهوا، ما نهاكم عنه يجب عليكم أن تتركوه طاعة لله جل وعلا ولرسوله، وهنا نقول مثل ما قلنا أولا أن من لم يجتنب ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وزجر، اعتقادا أنه لا يجب عليه الانتهاء، يعني لم يلتزم ذلك، لم يلتزم أنه مخاطب بهذه المنهيات، فهذا قدح في الشهادة، فلا يكون شاهدا بأن محمدا رسول الله، وإن كان يقولها بلسانه، وإن التزم ذلك، قال: نعم، نلتزم بالذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ويجب تركه. لكن غلبته نفسه وخالف ذلك قليلا كانت المخالفة أو كثيرا في نفسه أو في غيره، فإن ذلك يكون نقصا في شهادته ومعصية لله ولرسوله.

قال (وألا يعبد الله إلا بما شرع) يعني لا يُعبد بالبدع والأهواء والمحدثات، وإنما يُعبد الله جل وعلا بالطريق وعلى الطريق التي بينها نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يُعبد الله جل وعلا بالأهواء والآراء والاستحسانات المختلفة، إنما يُعبد الله جل وعلا عن طريق واحدة وهي طريق الرسول صلى الله عليه وسلم بما شرعه هذا الرسول، فإذا اعتقد المسلم ذلك كمُلت له شهادته بأن محمدا رسول الله وصار مسلما حقا.

بعد ذلك قال(ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5]) بين أن هذه الأشياء مأمور بها، وهي دليل على أنها من دين الإسلام، ثم ذكر دليل الصيام، ثم ذكر دليل الحج وهذه واضحة ظاهرة.

بهذا يتبين المرتبة الأولى من الأصل الثاني؛ ألا وهي مرتبة الإسلام، وأعظم أركان الإسلام الشهادتان، فعلى طالب العلم أن يكون معنى الشهادتين واضحا في قلبه، واضحا في ذهنه، فاهما له، بحيث يستطيع أن يعبر عن ذلك بأيسر عبارة وبتنوع العبارة، لأن أعظم ما يدعا إليه ما دلت عليه الشهادتان، فعلى طالب العلم أن يعوّد لسانه على تفسير الشهادتين بتنويع العبارة، وعلى حفظ الأدلة التي فيها معنى الشهادتين، وعلى تفسير ذلك، وإذا دَرَبَ على ذلك، فسوف يرى أنه ستفتح له أبواب بفضل الله جل وعلا وبرحمته بمعرفة التوحيد وحسن التعبير عنه، وأما أن يترك طالب العلم نفسه لفهم ما دلّت عليه، دون أن يمرن نفسه على تأدية المعنى وتعليمه لأهله وللصغار، ولمن حوله ولمن يلقاه ممن لا يعلم حقيقة معنى هذه الكلمة، فإن هذا تضيعه النفس ولا يصدق على فاعله أنه طالب العلم؛ لأن العامي هو الذي يفهم ذلك؛ يفهم ذلك فهما، لكن لا يستطيع أن يعبر عن فهمه بالتعبير العلمي الصحيح، وأما طالب العلم فعليه أن يهتم بأصل الأصول هو تفسير الشهادتين، ومر معنا بعض ما يتصل بتفسيرها.

أسأل الله جل وعلا أن يلهمني وإياكم الرشد والسداد، وأن يجعل ألسنتنا لاهجة بالثناء عليه وبذكره، وجوارحنا مقيمة على طاعته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

˜˜¹™™

أرتبةُ الإيمانِ: الإيمانُ، وهو بضعٌ وسبعونَ شعبَة، فأعلاها قولُ لا إله إلاّ الله، وأدْناها إماطةُ الأذَى عنِ الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ مِنَ الإيمانِ، وأركانُهُ سِتَّة: أنْ تؤمنَ بالله، وملائكَتِهِ، وكتبِهِ، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخرِ، وبالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ، والدليلُ على هذه الأركانِ الستَّةِ قولُه تعالى ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾[البقرة:177]، ودليلُ القَدَرِ قوله تعالى ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر:49].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قد ذكر المؤلف -رحمه الله وأجزل له المثوبة- أن الأصل الثاني من ثلاثة الأصول العظيمة: هو معرفة دين الإسلام بالأدلة، وذكر أن دين الإسلام مبني على ثلاث مراتب، فالأولى هي مرتبة الإسلام، وبيّن ذلك وفسره، وذكر الأدلة على ذلك، ثم قال رحمه الله (المرتبة الثانية الإيمان وهو بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان وأركانه ستة أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ[البقرة:177]، ودليل القدر قوله تعالى ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[القمر:49]) انتهى كلامه رحمه الله.

هذه المرتبة الثانية، وهي مرتبة الإيمان، والإيمان أصله:

في اللغة: كما سبق أن ذكرت لكم هو التصديق الجازم، فهو تصديق وجزم.

وفي الشرع: الإيمان قول وعمل واعتقاد، أو نقول الإيمان في الشرع قول وعمل؛ لأن القول هو قول اللسان وقول القلب، والعمل عمل القلب وعمل الجوارح.

فإذا قال من قال من أهل السنة: إن الإيمان قول وعمل. فهو بمعنى من يقول: قول وعمل واعتقاد.

لأن القول ينقسم إلى قول اللسان وقول القلب:

· قول اللسان: هو النطق والإقرار ظاهرا بنطقه.

· وقول القلب: النية.

عمل القلب وعمل الجوارح:

· عمل القلب: أقسامه كثيرة، منها أنواع الاعتقادات، ومنها أنواع العبادات القلبية؛ الخشية والخوف والرجاء، فالعلم أنواع العلميات هذه من أعمال القلب، وكذلك عبادات القلب المتنوعة هذه أعمال قلبية.

· وكذلك عمل الجوارح.

وهذا بمعنى قول من قال: إن الإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمان، وينقص بطاعة الشيطان.

قال أهل العلم إن هذا الإيمان الشرعي هو الذي حصل الابتلاء به، فهو من الأسماء التي نقلت من اللغة إلى الشرع، وصارت حقيقتها الشرعية هو ما وصفت لك من أن الإيمان يشتمل على قول اللسان والعمل بالأركان والاعتقاد وأنه يزيد وينقص.

الإيمان كثيرا ما يأتي في القرآن ويراد به اللغوي، وكثيرا ما يأتي في القرآن ويراد به الشرعي، بمثل الألفاظ الأخرى كالصلاة فإنها تأتي ويراد بها اللغوي؛ الصلاة اللغوية وهي الدعاء والثناء، ويأتي ويراد بها الصلاة المعروفة ومما ذكره بعض أهل العلم المحققين، ومما ذكره بعض أهل العلم من ذوي التحقيق:

ï أن الإيمان اللغوي في القرآن كثيرا ما يُعدّى باللام كقوله تعالى ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾[يوسف:17]، كقوله ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾[العنكبوت:26]، ونحو ذلك من الأمثلة وما سبق أن ذكرت لك.

ï والإيمان الشرعي المنقول عن أصله اللغوي الذي يراد به العمل والقول والاعتقاد هذا يُعدى كثيرا بالباء ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾[البقرة:285]، إلى آخر الآية قال ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا ﴾[البقرة:137]، ونحو ذلك من الآيات وكقوله ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾[النساء:136].

هذا الإيمان قول وعمل واعتقاد، ويراد به تارة الاعتقادات الباطنة، وهو الذي يناسب المرتبة الثانية، لأن المرتبة الأولى هي الإسلام، وهي ما يشمل العمل الظاهر كما جاء في حديث جبريل، فقد جاء في بعض طرقه أنه ذكر عليه الصلاة والسلام لجبريل أن من الإسلام بعد الحج الغُسل من الجنابة، ومنه الذكر، ونحو ذلك مما هو من جنس الأعمال الظاهرة. وأما الإيمان: فهو العقائد الباطنة؛ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر.

الشيخ رحمه الله تعالى هنا قال (الإيمان بضع وسبعون شعبة) وهذا يعني به اسم الإيمان العام الذي يدخل فيه الإسلام؛ لأن الإيمان أوسع من الإسلام، والإسلام بعض الإيمان، وأهل الإيمان أخص مرتبة من أهل الإسلام، لهذا الإيمان يشمل الإسلام وزيادة، بهذا المعنى ولهذا المعنى قال الشيخ رحمه الله (وهو بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله) ومن المعلوم أن قول لا إله إلا الله أنه أول أركان الإسلام؛ شهادة لله بالتوحيد بقول لا إله إلا الله مع توابع ذلك هذا الركن الأول، فهنا عدَّ قول لا إله إلا الله أعلى شعب الإيمان، وهذا لأن الإيمان يشمل الإسلام وزيادة، وهذا قد جاء مبينا في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال «الإيمان بضع وستون أو قال بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» فذكر أن أعلى شُعب الإيمان لا إله إلا الله، وقوله شُعب هذا تمثيل للأيمان بالشجرة التي لها شعب ولها فروع، وقد مثل عليه الصلاة والسلام بأعلى الشعب وبأدنى الشعب، ومثّل بشعبة من الشعب، وهذه الثلاث التي ذكرها عليه الصلاة والسلام متنوعة:

· فالأول وهو أعلاها قول: قول لا إله إلا الله.

· وأدناها إماطة الأذى عن الطريق هذا عمل.

· والحياء شعبة من الإيمان، الحياء عمل القلب.

فذكر في هذا قول لا إله إلا الله، وهذا قول باللسان، ولا شك أنه يتبعه اعتقاد بالجنان، وذكر الحياء أيضا وهو عمل بالقلب، وذكر إماطة الأذى عن الطريق وهو عمل الجوارح، فتمثيله عليه الصلاة والسلام لذلك لأجل أن يُستدل لكل واحد من هذه الثلاثة؛ لكل شعبة من هذه الشعب على نظائرها:

فيُستدل بكلمة التوحيد بقول لا إله إلا الله على الشعب القولية.

ويُستدل بإماطة الأذى عن الطريق بالشعب العملية؛ عمل الجوارح.

ويُستدل بذكره الحياء على الشعب القلبية.

وهذا من أبلغ ما يكون من التشبيه والتمثيل، وذلك لأن التنويع -كما نوع عليه الصلاة والسلام- يجعل الناظر يُعدِّي هذا الذي ذكر إلى أمثال تماثلها كثيرة، ولهذا العلماء اختلفوا في شعب الإيمان بِعَدِّها، عَدَّها جماعة وصنفوا فيها مصنفات كما صنف الحليمي كتابه، الشيخ البيهقي كتابه، كتاب الإيمان؛ المنهاج في شعب الإيمان وهو مطبوع، وتلاه على ترتيبه وعلى نصقه البيهقي موسعا داعما بالأدلة في كتابه شعب الإيمان، ونحو ذلك، عدُّوها على اجتهاد منهم، وهذا الاجتهاد يختلف فيه العلماء، فمنهم من يعد خصالا من شعب الإيمان، ومنهم من يعد أخرى، وسبب ذلك اجتهادهم في قياس ما لم يذكر على ما ذكر، فيجعل بعضا منها قولية، ويجعلون بعضا منها عملية، ويجعلون بعضا منها لعبادات القلب، وهم يقسمونها في الغالب أثلاثا: فيجعلون للقوليات نحوًا من خمس وعشرين شعبة، ويجعلون للعمليات نحوًا من خمس وعشرين شعبة، ويجعلون لأعمال القلوب نحوًا من سبع وعشرين أو خمس وعشرين شعبة، يزيدون و ينقصون.

المقصود أن هذا اجتهاد، اجتهاد من العلماء، لكن هذا التمثيل يدل على ما ذكرت لك من استيعابه للأقوال وأعمال الجوارح وأعمال القلوب، إذن فيدخل في هذه الشعب، شعب الإسلام: إقام الصلاة، إيتاء الزكاة، صوم رمضان، الحج، الجهاد، الغسل، الطهارة، ونحو ذلك، يدخل فيها الأعمال الاجتماعية التي أُمر بها؛ صلة الأرحام، بر الوالدين إلى آخره، يدخل فيها أعمال القلوب من الخشية والإنابة والحياء والمحبة والرجاء والخوف والرهب والرغب إلى آخر هذه الأمثلة، فكل هذه من الإيمان ودليل ذلك الحديث الصحيح الذي جاء في الصحيحين.

بعد أن ذكر ذلك قال رحمه الله تعالى (وأركانه ستة أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره) أوضحت لكم في شرح الأربعين النووية تفصيل شرح هذه الأركان، لكن أذكر ذلك باقتضاب، ليكمل الشرح لهذا الكتاب.

الإيمان بالله يشمل: الإيمان بوجود الله؛ بأن الله واحد في ربوبيته، وأنه واحد في إلهيته لاستحقاقه العبادة، أنه واحد في أسمائه وصفاته، يعني ليس كمثله شيء في أسمائه، وليس كمثله شيء في صفاته كما قال تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[الشورى:11]، فبيان قوله أن تؤمن بالله هو شرح التوحيد كله.

قال (وملائكته) الملائكة جمع ملك، وهو المرسل لأن أصلها (مَأْلَكَ) من (أَلَكَ) يعني أرسل رسالة خاصة، أَلَكَ يألك أَلُوكَةً، والمرسل مألك أو مَلْأَك، وأصلها مألك؛ لأنها من أَلَكَ، خُففت الهمزة كما تخفف كثيرا فصارت ملَك، وجمعها ملائكة، لهذا ظهر في الجمع الهمز؛ لأن أصله في المفرد موجود، الملك جمعه ملائكة ظهر الهمز، ومفرد الملائكة ملأك إلى آخره. يعني المرسلون الموكلون بما وكلهم الله جل وعلا به.

هذا الركن من أركان الإيمان تحقيقه يكون بأن يؤمن المسلم بأن لله جل وعلا ملائكة، خلق من خلقه جل وعلا، جعلهم موكلين بتصريف هذا العالم، يأمرهم فينفذون ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾[الأنبياء:26]، ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾[التحريم:6]، فمن أيقن أن هذا الجنس من خلق الله موجود، وآمن بذلك، وأن منهم من ينزل بالوحي إلى الرسل، يبلِّغهم رسالات الله فقد حقق هذا الركن من أركان الإيمان، ثم بعد ذلك يكون الإيمان التفصيلي على نحو ما فصلت لكم في شرح الأربعين، يكون الإيمان التفصيلي، وهذا يختلف فيه الناس بحسب العلم، لكن المقصود هنا أن تحقيق هذا الركن من أركان الإيمان يكون بتحقيق ما ذكرت، وبعد ذلك الإيمان بكل ما جاء بالكتاب والسنة من أوصاف الملائكة ومن أحوالهم؛ صفة خلقهم ومقامهم عند ربهم، وأنواع أعمالهم وأعمال ما وكلوا به، فكله من الإيمان التفصيلي، من علم شيئا من النصوص في ذلك وجب عليه الإيمان، لكن تحقيق الركن يكون بالمعنى الأول.

كذلك الإيمان بالرسل، إذا آمن المسلم بأن الله جل وعلا أرسل رسلا؛ بعثهم بالتوحيد، يدعون أقوامهم إلى التوحيد، وأنهم بلغوا ما أمروا به، وأيدهم الله بالمعجزات، بالبراهين والآيات الدالة على صدقهم، وأنهم كانوا أتقياء بررة، بلّغوا الأمانة وأدوا الرسالة. بهذا يكون آمن بالرسل جميعا، ثم يؤمن إيمانا خاصا بمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم الرسل، وأنه جل وعلا بعثه بالحنيفية السمحة، بعثه بدين الإسلام الذي جعله خاتم الأديان وآخر الرسالات، القسم الثاني الإيمان التفصيلي بالرسل على نحو ما أوضحت لكم، فيه مقامات كثيرة في ذلك، يتبع العلم التفصيلي بأحوال الرسل وأسمائهم وأحوالهم مع أقوامهم وما دعوا إليه وكتبهم ونحو ذلك.

قال بعدها (وكتبه) الكتب قبل الرسل (وكتبه ورسله) الإيمان بالكتب أيضا إيمان إجمالي ، يتحقق الإيمان بهذا الركن بأن يؤمن العبد أن الله جل وعلا أنزل كتبا مع رسله إلى خلقه، جعل في هذه الكتب الهدى والنور والبينات وما به يصلح العباد، وأن هذه الكتب التي أُنزلت مع الرسل كلها حق؛ لأنها من عند الله جل وعلا، والله جل وعلا هو الحق المبين، وما كان من جهة الحق فهو حق، ويوقن بذلك يقينا تاما، ثم يوقن ويؤمن إيمانا خاصا بآخر هذه الكتب ألا وهو القرآن، فكما أنه يؤمن بالكتب السابقة التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى ونحو ذلك، يؤمن بها إيمانا عاما على ما أنزله الله جل وعلا على أنبيائه ورسله، فإنه يؤمن به إيمانا خاصا بهذا القرآن، وأنه كلام الله منه بدأ وإليه يعود، وأنه حجة الله على الناس إلى قيام الساعة، وأنه به نُسخت جميع الرسالات وجميع الكتب من قبل، وأنه حجة الله الباقية على الناس، وأن هذا الكتاب مهيمن على جميع الكتب وما فيه مهيمن على جميع ما سبق، كما قال جل وعلا في وصف كتابه ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾[المائدة:48]، وأن ما فيه من الأخبار يجب تصديقها، وما فيه من الأحكام يجب امتثالها، وأن من حكم بغيره فقد حكم بهواه، ولم يحكم بما أنزل الله. هذا كله من الإيمان الخاص بالقرآن.

قال بعد ذلك (واليوم الآخر) هذا هو الركن الخامس؛ الإيمان باليوم الآخر يعني الإيمان بيوم القيامة، وتحقيق هذا الركن يكون بأن يوقن هذا العبد يؤمن بغير شك بأن ثَم يوم يعود الناس إليه، يُبعثون فيه وإليه، يحاسبون فيه، وأن كل إنسان مَجْزِيٌّ بما فعل، لأن الأمر ليس منتهيا بالموت، بل ثَم يوم يجتمع فيه الناس فيقتص من الظالم إلى المظلوم ويحاسب الناس على أعمالهم، كما قال تعالى ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾[الزمر:70]، إذا آمن بهذا القدر، وأن هناك يومٌ سيكون، وأنه سيبعث من جديد، فإنه قد حقق هذا الركن. بعد ذلك الإيمان التفصيلي باليوم الآخر هذا يتبع العلم بما جاء في الكتاب والسنة من أحوال يوم القيامة، من أحوال القبور، أحوال ما يكون يوم القيامة، الإيمان بالحوض، بالميزان، الإيمان بالصحف، الإيمان بالصراط، الإيمان بأحوال الناس في العرصات، أحوال الناس بعد أن يجوزوا الصراط يعني المؤمنين الذين يدخلون الجنة، وما يكون بعد أن يجوزوا الصراط، ومن يدخل الجنة أولا، وأحوال الناس في النار ونحو ذلك، أحوال الظُّلمة، أحوال الجسر، هذه كلها أمور تفصيلية لا يجب الإيمان بها على كل أحد، إلا من سمعها في النصوص فإنه يجب عليه الإيمان بما سمع، لكن لو قال قائل: أنا لا أعلم هل ثَمَّ حوض أم لا؟ لا أدري هل ثم ميزان أم لا؟ ونحو ذلك، يُعرف بالنصوص فإن عرف فأنكر وكذَّب فيكون مُكذِّبا بالقرآن وبالسنة، أما تحقيق هذا المقام الذي هو اليوم الآخر، يؤمن بأن ثم يوم يعود فيه الناس، فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. فلو سألت أحدا قلت له: هل ثم يوم آخر يعود فيه الناس؟ قال: بلا شك هناك يوم القيامة يُبعث فيه ويحاسب الناس، فيه أهوال. وسكت، بهذا حقق الركن وهو الإيمان باليوم الآخر، إذا سألته هل تؤمن بالحوض؟ قال: أُوشْ الحوض؟ أنا ما أعرف هذا الحوض. هل تؤمن بالميزان؟ أنا ما أعرف. يُعرَّف النصوص الدالة على ذلك، لأن هذا من العلم التفصيلي الذي إنما يجب العلم به بعد إخباره بما جاء في النصوص عليه.

السادس قال (وبالقدر خيره وشره) الإيمان بالقدر، تحقيق هذا الركن أن يعلم ويعتقد؛ يؤمن بأن كل شيء يحدث في هذا الملكوت بخلق الله، قد سبق به قدر، وأن الله جل وعلا عالم بهذه الأحوال وتفصيلاتها بخلقه قبل أن يخلقهم، وكتب ذلك، وإذا آمن أن كل شيء قد سبق به قدر الله فيكون حقق هذا الركن، والإيمان بالقدر؛ الإيمان الواجب يكون على مرتبتين:

ï المرتبة الأولى الإيمان بالقدر السابق لوقوع المقدر: وهذا يشمل درجتين:

الأولى العلم السابق: فإن الله جل وعلا يعلم ما كان وما سيكون وما يكون وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، علم الله السابق بكل شيء بالكليات و بالجزئيات، بجلائل الأمور وبتفصيلات الأمور، هذا العلم السابق كما قال جل وعلا في آخر سورة الحج ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ([11]) أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾[الحج:70]، وقال جل وعلا ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾[الأنعام:59]، فبيَّن الله جل وعلا أن علمه بالأشياء سابق، وأنه يعلم كل شيء؛ الكليات والجزئيات، الأمور الجلية وتفاصيل الأمور، هذا العلم الأول، وهذا العلم لم يزل الله جل وعلا عالما به، علمه جل وعلا بهذه الأشياء بجميع تفاصيل خلقه، عِلْمُه بها أَوَّل يعني ليس له بداية.

الدرجة الثانية الكتابة: أن يؤمن العبد أن الله جل وعلا كتب ما الخلق عاملون، كتب أحوال الخلق وتفصيلات ذلك قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وذلك عنده في كتاب جعله في اللوح المحفوظ، كما قال جل وعلا (وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) فأثبت أنه في كتاب وقال جل وعلا ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ﴾[القمر:53]، يعني قد سُطِّر وكُتِب في اللوح المحفوظ، وقال جل وعلا ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾[الحج:70]، بيّن أن كل شيء إنما هو في كتاب، وهذا قد جاء أيضا في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قدر الله مقادير الخلائق يعني بالكتابة قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة».

هاتان الدرجتان في المرتبة الأولى؛ المرتبة الأولى تسبق وقوع المقدر، هذه المرتبة الأولى تحوي درجتين.

ï المرتبة الثانية أيضا تحوي درجتين وهي تواكب أو تقارن وقوع المقدر:

أولى الدرجتين الإيمان بأن مشيئة الله جل وعلا نافذة: وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون، فليس ثم شيء يحدث ويحصل في ملكوت الله جل وعلا إلا وقد شاءه الله جل وعلا، وقد أراده الله جل وعلا كونا، سواء في ذلك طاعات المطيعين أو عصيان العاصين، سواء في ذلك إيمان المؤمنين أو كفر الكافرين، فكل شيء يحصل في ملكوت الله إنما هو بإذنه ومشيئته وإرادته الكونية؛ لأن المشيئة ما تنقسم، التي تنقسم الإرادة، بإذنه ومشيئته وإرادته الكونية، ومشيئة الله إذا أطلقت يُعنى بها الإرادة الكونية، الإرادة تنقسم إلى إرادة كونية وإرادة شرعية، فأما المشيئة فهي مشيئة الله جل وعلا في كونه، هذه الدرجة الأولى هذه تواكب وقوع المقدر، فلا يمكن أن يعمل العبد شيء يكون مقدرا من الله جل وعلا إلا وهذا الشيء قد شاءه الله جل وعلا.

الدرجة الثانية أن يؤمن بأن الله جل وعلا خالق كل شيء: كل شيء مخلوق الله جل وعلا خالقه؛ أعمال العباد، أحوال العباد، السماوات، الأرض، من في السماوات ومن في الأرض، ما في السماوات وما في الأرض، الجميع الذي خلقه هو الله جل وعلا، فإذا أراد العبد أن يعمل شيئا فإنه لا يكون إلا إذا شاءه الله جل وعلا، وخلق الله جل وعلا ذلك الشيء، طاعات المطيعين خلقها الله جل وعلا، عصيان العاصين خلقه الله جل وعلا، إذا توجه العبد بإرادته إلى أن يفعل شيء إذا شاءه الله كونا وقع بعد خلقه له، إذا لم يشأه ولو أراده العبد لم يقع، كما قال جل وعلا ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾[التكوير:29]، قال ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾[الإنسان:30]، مرتبة الخلق عامة.

إذن هذا الإيمان الواجب يصح أن نقول أنه إيمان تفصيلي، مرتبة قبل وقوع المقدر، العلم الأزلي؛ العلم الأول، والكتابة التي هي قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم ما يواكب وقوع المقدر وهو أنّ العبد عنده إرادة وعنده قدرة؛ إذا اجتمعت الإرادة الجازمة والقدرة التامة حصل منك الفعل، توجهت إلى الفعل حصل منك الفعل لكن لا يحصل منك إلا بعد أن يشاء الله جل وعلا ذلك منك، وإلا بعد أن يخلق الله جل وعلا ذلك الفعل منك، الفعل فعل العبد حقيقة، لكن الخالق لهذا الفعل هو الله جل وعلا، لما؟ لأن من العبد لا يكون إلا بإرادة جازمة وبقدرة تامة، والإرادة والقدرة قد خلقها الله جل وعلا، الله جل وعلا خلق ما به يكون الفعل ويخلق الفعل نفسه إذا توجه إليه العبد.

فحصل بهذا الإيمان التفصيلي الواجب بالقدر.

وبهذا البيان تتضح لك أركان الإيمان الستة؛ الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

قال الشيخ بعد ذلك رحمه الله (والدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ)- يعني الذييُمدح أصحابُه- (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) النبيين يعني الرسل، وهنا ذكر الخمسة هذه ، آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين فهذه الآية دليل على خمسة من أركان الإيمان،وكثيرا ما تأتي هذه الخمسة مقترنة كقوله جل وعلا في آخر سورة البقرة ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾[البقرة:285]، ذكر الأربعة ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾[البقرة:285]، وكقوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾[النساء:136]، وكقوله جل وعلا ﴿الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا( 150 )أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾[النساء:150-151]، ونحو ذلك من الآيات، وقد جاءت أيضا في حديث جبريل المشهور.

بقي القدر، القدر أدلته في القرآن أدلة عامة بذكر القدر، وأدلة مفصلة لكل مرتبة من مراتب القدر، فمن الأدلة العامة ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى وهو قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وجه الاستدلال: مجيء (كُلَّ شَيْءٍ) يعني ليس ثم مخلوق من مخلوقات الله إلا وقد خلق بقدر سابق من الله جل وعلا، لا يخرج شيء عن هذه الكلية (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) و(كُلَّ) من ألفاظ الظهور في العموم، ومنه قوله تعالى ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾[الفرقان:2]، وكل دليل فيه ذكر مرتبة من المراتب التي ذكرت يصلح دليلا على القدر لأنه دليل لبعضه.

هذا ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في بيان المرتبة الثانية من مراتب الدين ألا وهي مرتبة الإيمان.

˜˜¹™™

المرتبةُ الثالثةُ: الإحسانُ، ركنٌ واحدٌ، وهو أنْ تعبدَ اللهَ كأنَّك تَراهُ فإنْ لم تكنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، والدليلُ قولُهُ تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾[النحل:128]، وقولُهُ تعالى ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ( 217 )الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ( 218 )وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ( 219 )إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الشعراء:217-220]، وقولُهُ تعالى ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾[يونس:61]الآية.

المرتبة الثالثة الإحسان قال(المرتبةُ الثالثةُ: الإحسانُ، ركنٌ واحدٌ، وهو أنْ تعبدَ اللهَ كأنَّك تَراهُ فإنْ لم تكنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، والدليلُ قولُهُ تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾[النحل:128]، وقوله تعالى ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ( 217 )الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ( 218 )وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ( 219 )إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الشعراء:217-220]، وقوله تعالى ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيه وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍِ ﴾[يونس:61] )

الإحسان الذي هو مرتبة من المراتب؛ إحسان العابد أثناء عبادته؛ وهو مقام المراقبة؛ مراقبة العابد لله جل وعلا؛ لربه جل وعلا أثناء عباداته، بل في أحواله كلها، لأنه إذا راقب ربه، بأنه قد علم أن الله جل وعلا مطلع عليه، كأنه يرى الله جل وعلا، فإن هذا يدعوه إلى إحسان العمل، وأن يجعل عمله أحسن ما يكون، وأن يجعل حاله في إقبال قلبه، وإنابته، وخضوعه، وخشوعه، ومراقبته لأحوال قلبه، وتصرفات نفسه، يجعل ذلك أكمل ما يكون لحسنه وبهائه، لأنه يعلم أن الله جل وعلا مطلع عليه.

هذا المقام -مقام المراقبة- ركن واحد، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. أن تكون عابدا لله على النحو الذي أمر اللهُ جل وعلا به وأمر به رسولُه، وحالتك أثناء تلك العبادة التي تكون فيها مخلصا موافقا للسنة، حالتك أن تكون كأنك ترى الله جل وعلا، فإن لم تكن تراه، فلتعلم أن الله جل وعلا مطلع عليك، عالم بحالك، يرى ويبصر ما تعمل، يعلم ظاهر عملك وخفيه، يعلم خلجات صدرك، ويعلم تحركات أركانك وجوارحك. وبضعفه تضعف المراقبة لله جل وعلا، إذن فمقام الإحسان -مرتبة الإحسان- تعظم بعظم مراقبة الله جل وعلا، وتضعف بضعف مراقبة الله جل وعلا، فالعبد المؤمن أثناء عبادته إذا كان يعبد الله جل وعلا مخلصا على وَفق السنة، وحاله كأنه يرى الله عالم بأنه مطلع عليه يراه، هذه تجعله يحسن عمله، بل يجعل عمله وحاله أثناء العمل أحسن ما يكون.

(والدليل قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾[النحل:128]) وجه الاستدلال أن الله جل وعلا ذكر ها هنا معيته للذين اتقوا ولمن هم محسنون قال (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) وهذه المعية تقتضي في هذا الموضع شيئين:

الأول: أنه جل وعلا مطلع عليهم، عالم بهم، محيط بأحوالهم، لا يفوته شيء من كلامهم، ولا من أحوالهم، ولا من تقلباتهم.

والثاني: أنه جل وعلا معهم ناصر لهم بتأييده، ونصره وتوفيقه، المعية ها هنا معية خاصة بالمؤمنين، ومعلوم أن المعية الخاصة للمؤمنين تُفسر بما تقتضيه، وهو أنها معية نصر وتأييد وتوفيق وإلهام ونحو ذلك، وهذا متضمن للمعية العامة، وهي معية الإحاطة والعلم ونحو ذلك.

إذن وجه الاستدلال:

أولا: أنه ذكر المعية.

الثاني: أنه ذكر معيته للمحسنين فقال (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) والمحسنون ها هنا جمع المحسن، والمحسن اسم لفاعل الإحسان، ففاعل الإحسان اسمه محسن، والإحسان هو الذي نتكلم عليه؛ المرتبة الثالثة.

فإذن وجه الاستدلال من جهتين: أولا ذكر المعية، الثانية ذكر المحسنين.

(وقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ( 217 )الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ( 218 )وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وجه الاستدلال من هذه الآية أنه ذكر رؤية الله جل وعلا لنبيه حال عبادة نبيه، وأنه يراه في جميع أحواله حين يقوم وتقلَّبَه في الساجدين من صحابته أثناء صلاته بهم عليه الصلاة والسلام؛ قال واصفا نفسه جل وعلا (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ( 218 )وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وهذا دليل الشق الثاني من ركن الإحسان وهو قوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، دليل الرؤية ها هنا قوله (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ( 218 )وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) يعني في المصلين.

قال أيضا (وقوله تعالى ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾[يونس:61]) وجه الاستدلال قوله تعالى هنا (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) وشهود الله جل وعلا بما يعمله العباد من معانيه رؤيته جل وعلا لهم وإبصاره جل وعلا بهم، رؤيته جل وعلا من معانيه كونه جل وعلا شهيدا، قال جل وعلا هنا (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) هذا الاستدلال ظاهر؛ لأن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك.

قال جل وعلا هنا (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أي شأن تكون فيه (وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) أنواع تلاوتك للقرآن، وأحوال ذلك في الصلاة، خارج الصلاة، وأنت على جنبك، وأنت قائم، أحوال ذلك (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) أحوال عملكم، كل ذلك منكم الله جل وعلا شهيد عليه، يرى أحوالكم فيه على تفصيلاتها، شاهد وشهيد عليكم، يرى أعمالكم، يسمع كلامكم، ويبصر أعمالكم جل وعلا، وهذا دليل أيضا ظاهر الاستدلال.

˜˜¹™™

ئالدليلُ مِنَ السُّنَّة حديثُ جبريل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جُلوسٌ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذا طلع علينا رجلٌ شديدٌ بياضِ الثياب، شديد سوادِ الشَّعر، لا يُرى عليه أثَرُ السَّفر، ولا يعرفه مِنَّا أحد، حتّى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاسند رُكبَتَيْه إلى رُكبَتَيْه، ووضع كَفَّيْه على فخذيه، وقال: «يا مُحَمَّدُ؛ اَخْبِرْنِي عَنِ الإسلام» فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الإِسْلاَمُ أن تَشْهَدَ أَن لا إلَهَ إلاَّ ا لله، وَأَنَّ مُحَمَدََا رَسُولُ ا لله، وَتُقِيمَ الصَلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اِسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلا»، قال: «صَدَقْتَ». فعجبنا له: يسأله ويُصَدِّقُه! قال: «فأخبرني عن الإيمان ؟»، قال:«أنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُِلهِ وَاليَوْمِ الآخِرْ،وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرَّهِ»، قال: «صدقت». قال: «فأخبرني عن الإحسان؟» ، قال: «أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهْ فَإِِنَّهُ يَرَاكْ». قال: «فََأَخْبِرِْني عَنْ السَّاعة؟» قال: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ». قال: «فََأَخْبِرِْني عَنْ أَمَارَاتِهَا ؟» قال: «أَنْ تَلِِدَِِ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاَةََ الْعُرَاةَ الْعَالَةََ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ». ثُمّ انْطَلَق. فَلَبِثتُ مَلََََََََِيا، ثم ّ قال:«يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قلت: الله ورسوله أعلَم، قال: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمُ يُعَلِمُكُمْ ِدينَكُمْ».

ثم ذكر رحمه الله الدليل من السنة، وهو حديث جبريل المشهور عن عمر رضي الله عنه، وهو الذي شرحناه في الأربعين النووية، وهو ثاني الأحاديث النووية الأربعين، وبهذا يتم ذكر الأصل الثاني من أصول دين الإسلام، ألا وهو معرفة دين الإسلام بالأدلة.

ملخص ذلك: ذكر الشيخ أن الأصل؛ الأصل الثاني معرفة دين الإسلام بالأدلة، عرّف الإسلام، وذكر أركانه، وذكر معنى الشهادتين، معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فسّر التوحيد وأدلة ذلك شهادة أن محمدا رسول الله، وبين معنى الشهادة بأن محمدا رسول الله، ثم بين أدلة أركان الإسلام الباقية، ثم ذكر المرتبة الثانية وهي الإيمان كما ذكرنا لكم هذا اليوم، ثم ذكر المرتبة الثالثة وهي الإحسان، ودلائل ذلك كله على نسق ووضوح يسهل معه الفهم ويسهل معه الإفهام.

ئلهذا ينبغي لنا أن نحرص على هذه الرسالة؛ تعليما لها للعوام، وللنساء في البيوت، وللأولاد ونحو ذلك، على حسب مستوى من يخاطب في ذلك، وقد كان علماؤنا رحمهم الله تعالى يعتنون بثلاثة الأصول هذه تعليما وتعلما، بل كانوا يلزمون عددا من الناس بعد كل صلاة فجر أن يتعلموها، أن يحفظوا هذه الأصول ويتعلموها، وذلك هو الغاية في رغبة الخير، ومحبة الخير لعباد الله المؤمنين، إذْ أعظم ما تُسدي للمؤمنين من الخير، أن تُسدي لهم الخير الذي ينجيهم حين سؤال الملكين للعبد في قبره، لأنه إذا أجاب جوابا حسنا -جوابا صحيحا- عاش بعد ذلك سعيدا، وإن لم يكن جوابه مستقيما ولا صحيحا عاش بعد ذلك، والعياذ بالله على التوعد بالشقاء والعذاب.

أسأل الله جل وعلا أن يُنَوِّر بصائرنا، وأن يقينا الزلل والخطل، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

˜˜¹™™

الأصلُ الثالثُ: معرفةُ نبيكُمْ محمدٍصلى الله عليه وسلم: وهو محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمٍ، وهاشمُ مِنْ قريشٍ، وقريشٍ مِنَ العربِ، والعربُ مِنْ ذرّيّةِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الخليلِ، عليْهِ وعلى نبيّنا أفضلُ الصَّلاةِ والسّلامِ، وله مِنَ العُمْرِ: ثلاثٌ وسِتُّونَ سنةً، منها أربعون قبل النُّبُوَّةِ، وثلاثُ وعشرون نبيّا رسولا، نُبِّئَ بِـ (اقرأ) وأُرْسِلَ بـ(المدّثر)، وبلدُهُ مكّةَ، وبعثَهُ اللهُ بالنَّذَارَةِ عنِ الشِّركِ، ويدعُو إلى التَّوحيدِ، والدليلُ قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1)قُمْ فَأَنذِرْ(2)وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3)وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4)وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5)وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ(6)وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾[المدثر:1-7] ومعنى (قُمْ فَأَنذِرْ) يُنْذِرُ عنِ الشِّركِ ويدعُو إلى التَّوحيدِ، (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي: عَظِّمْهُ بالتَّوحيدِ، (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) أي: طَهِّرْ أعمالَكَ عنِ الشِّركِ، (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) الرُّجْزُ: الأصنامُ، وهجرُها تَرْكُها وأهلَها، والبراءَة منها وأهلِها.

أخذَ على هذا عشْرَ سِنينَ يدعُو إلى التوحيدِ، وبعدَ العشْرِ عُرِجَ به إلى السماءِ وفُرِضَتْ عليه الصلواتُ الخمسُ، وصلَّى في مكّةَ ثلاثَ سنينَ، وبعدَها أُمِرَ بالهجرةِ إلى المدينةِ.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حق الحمد وأعلاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فبقي من هذه الرسالة ما يحتاج شرحه إلى أكثر من مجلس، ولهذا رغبة في إتمامها قبل انقضاء هذه الدروس، فإننا غدا إن شاء الله تعالى سيكون هناك درس فيها فقط لمدة ساعة إلا ربع تقريبا، وكذلك إن لم نُتِمَّها غدا سيكون أيضا يوم الخميس بعد العصر مباشرة في قريب من تلك المدة، لأن إلمام مثل هذه الرسالة، وعدم إرجاء الإنهاء إلى وقت آخر من المهمات، ولهذا قد يكون الكلام فيه بعض الاختصار، ليس على نسق أوله للرغبة في إنهاء ما تبقى إن شاء الله تعالى ويَسَّرَ وأَعانَ.

قال رحمه الله تعالى (الأصل الثالث معرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم) الأصل الأول: معرفة العبد ربه يعني معبوده، والأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة، والأصل الثالث: معرفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد ها هنا بالمعرفة العلم بهعلى نحو ما أوضحت لكم في الكلام على الأصل الأول، فمعرفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم معناه العلم به وبحاله؛ العلم بنسبه، وأنه من العرب، بل من أشرف العرب قبيلةً، وأنه كان في عمره له كذا وكذا، نبئ وأرسل، قام داعيا يدعو إلى التوحيد، وينذر عن الشرك، وما يتصل بذلك من المباحث.

فحقيقة هذا الأصل العلم ببعض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا العلم متعلق لتكون الشهادة بأن محمدا رسول الله على علم ومعرفة، فإنه إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله، فإذا قيل له من محمد هذا؟ فلم يعرفه، كانت شهادته مدخولة، ولهذا فإن معرفة هذا الأصل يكون به الجواب بتوفيق الله على سؤال القبر الثالث؛ ألا وهو من نبيك؟ يشهد المسلم أن محمدا رسول الله، لكن هذه الشهادة يتبعها أن يكون عالما وعارفا بمحمد هذا من هو عليه الصلاة والسلام.

فقال رحمه الله تعالى موضحا هذا الأمر (وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم) تسميته عليه الصلاة والسلام بمحمد:

· قال طائفة من أهل العلم: لم يُسمّ قبله عليه الصلاة والسلام في العرب أحد بهذا الاسم، وإنما كانت العرب تسمي أحمد، وتسمي حَمْد، وكل ذلك مشتق من الحمد، يعني رغبة في أن يكون هذا الولد من ذوي الحمد، يعني ممن يحمده الناس على خصاله.

· وقال آخرون: بل العرب تَسَمَّت بمحمد، لكن قليل، إمّا اثنان أو ثلاثة، وهذا الثاني صحيح، إن صح النقل عن أهل التاريخ بتسمية أولئك النفر بمحمد، ممن هم في عصره عليه الصلاة والسلام، أو قبل ذلك بقليل.

محمد معناه كثير الخصال التي يستحق عليها الحمد، فذو العرش محمود وهذا محمد؛ ذو العرش الله جل وعلا صفاته وأفعاله وأسمائه كلها يُحمد عليها؛ يُثنى عليه بها، وتسمية المولود بمحمد تسمية جد النبي عليه الصلاة والسلام له بمحمد، على رجاء أن يكون من أهل خصال الخير، التي يكثر من أجلها حمد الناس له عليها، وهذا كان وصار ظاهرا، فإنه عليه الصلاة والسلام خصاله كلها، وصفاته كلها يُحمد عليها، لأن خصاله عليه الصلاة والسلام خير، حتى ما كان منه قبل البعثة قبل النبوءة وقبل الرسالة. وقد كان كثير صفات الخير، فإذن التسمية بمحمد تسمية من قبيل التفاؤل، كانت العرب تعرف ذلك، كانوا يسمون خالدا تفاؤلا بأن يكون من أهل المكث الطويل في الدنيا؛ يعني من أهل الأعمار الطويلة، كانوا يسمون عاصيا تفاؤلا بأن يكون على أعدائهم من ذوي العصيان، كانوا يسمون صخرا ليكون شديدا كالصخر على أعدائهم... وهكذا، فكثير من العرب إذا سموا رأوا المعنى، وتسمية النبي عليه الصلاة والسلام لوحظ فيها ذلك، على رجاء أن يكون عليه الصلاة والسلام أن يكون كثير الصفات التي يحمد عليها، وكان ما أمّله جده في تسميته بمحمد، أمّل ما أمّله، فأعظم ذلك أنه كان عليه الصلاة والسلام رسولا منزلا من عند الله جل وعلا.

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، وقريش أفضل العرب وصفوتهم، فأفضل قبائل العرب قريش، وهذا كما جاء في الحديث «إن الله اصطفى قريشا من كنانة»، وأفضل قريش بنو هاشم، وأفضل بني هاشم محمد عليه الصلاة والسلام، فكما جاء في الحديث الصحيح قال بعد ذلك «فأنا خيار من خيار من خيار». قريش من العرب، والمراد بالعرب العرب المستعربة، لأن العرب قسمان عند أهل النسب:

عرب عاربة: وهؤلاء انقرضوا إلاّ قحطان في اليمن.

وعرب مستعرِبة: وهم الذين لم يكونوا أصلا من العرب، لكنهم دخلوا وصاروا عربا بان

Date: 2015-06-08; view: 585; حàًَّهيèه àâٍîًٌêèُ ïًàâ; دîىîùü â يàïèٌàيèè ًàلîٍû --> رقؤہ...



mydocx.ru - 2015-2024 year. (0.007 sec.) آٌه ىàٍهًèàëû ïًهنٌٍàâëهييûه يà ٌàéٍه èٌêë‏÷èٍهëüيî ٌ ِهëü‏ îçيàêîىëهيèے ÷èٍàٍهëےىè è يه ïًهٌëهنَ‏ٍ êîىىهً÷هٌêèُ ِهëهé èëè يàًَّهيèه àâٍîًٌêèُ ïًàâ - دîوàëîâàٍüٌے يà ïَلëèêàِè‏